كثيرا ما يخلط بين علم "خط الرمل الرباني" والكهانة والعرافة والتنجيم السحري... وذلك لإكتفاء المطلعين على النصوص الأدبية لظاهر الأحاديث الشريفة الواردة في الباب، وإن كانت النصوص واضحة في الإسهاب، وذلك لسببين:
أولهما: الجهل التام بمادة البحث المراد إنزال الحكم عليها بالجواز أو المنع استنادا إلى قياسات غير دقيقة وميلا إلى بعض النزوات في المنهج أو المذهب... وهذا ما أوصلنا إلى هذا السيل من الفتاوى الشاذة التي أوقعت الناس فيما لا يخفى على أحد، والتي فتحت أبواب الاجتراءات على دين الله وكتاب الله وسنة رسول الله...
ثانيهما: ولو أن حديث الباب صحيح و صريح ، فكثير من العلماء وُجدوا أمام باب واحد لتخليص العوام بدرئ المفاسد والتخلص من الشبهات.. لإعتباره باب خصوص وليس باب عموم.. وأن لا ضرورة مادية تتوقف عليه كالهواء والغذاء والدواء، ولا دينية كالإسلام والإيمان والإحسان... فكان تأخير الكلام عنه في الأوساط العلمية ضرورة، وترجيح التطرق لما ينفع الناس في حياتهم اليومية، وفتنها المتوالية...
من نص الحديث: عن معاوية بم الحكم: ... قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: " فَلا تَأْتِهِمْ " . قَالَ : وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ ؟ قَالَ : " ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ " قَالَ : قُلْتُ : وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ ، قَالَ : " كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ مِثْلَ خَطِّهِ فَذَاكَ (رواه مسلم)
قال النووي: اختلف العلماء في معناه ، والصحيح أن معناه : من وافق خطه فهو مباح له... وقال الخطابي: يحتمل أن يكون معناه الزجر عنه؛ إذ كان من بعده لا يوافق خطه... وقال القاضي عياض: أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول ، لا أنه أباح ذلك لفاعله " ، قال : " ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا "... .
فهذه أهم الفتاوي الواردة في الباب من أعمدة العلم الشرعي عبر القرون، ومفاذها أنهم يثبتون العلم وصحة نسبته إلى نبي الله إدريس، وكذلك صحة الحديث سندا ومتنا ، كما أن شروح العلماء لم تخل من كلمة "ويحتمل" إلا أن الصريح: أن من وافق الخط فالحكم له ب"الإباحة" !!! -----------------------
وحكم الإباحة تنقيص في حق منهج نبوي، ولا دخل لباب"شرع من قبلنا" إذا قال النبي الكريم: فَمَنْ وَافَقَ مِثْلَ خَطِّهِ فَذَاكَ.. لأن القصد الدلالة على منهج علمي وليس على فعل شخصي، فإذا قال الحق سبحانه في منهج داود عليه السلام: وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠.. فالمقصد منهج علمي في تليين الحديد للذوبان على نار الحطب أو الفحم التي لم يكن غيرهما والتي لا تتعدى 500 درجة، أو رفع درجة حرارة النار حتى تذيب الحديد الذي يحتاج لأزيد من 1500 درجة...
وكذلك صناعة الفلك في عهد نبي الله نوح قال تعالى: فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا.. أو حكم الجن والشياطين في عهد سليمان قال تعالى: وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ... وقبل ذلك في تكريم الميت بدفنه كما ورد في ابني آدم قال تعالى: قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ... .
هذا ليعلم أن المنهج النبوي يقدم للبشرية ما عجزت في تقويمه على الوجه المطلوب، ويعتبر سنة حسنة فعلية لصاحبها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وكل ما ينفع الناس من العلوم المادية النافعة سَنّتهُ مناهج نبوية ابتداء بأبينا آدم وختما بسيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وهو الذي أتم الله على يده الشريفة الدين وأتم به النعمة على المخلوقين..